تأخّرت الحكومة في استصدار الآليات القانونية، التي تسمح لها بتصويب سياسة الدّعم الاجتماعي، لكنّها بالمقابل، شرعت منذ سنتين في الرفع التدريجي للدّعم، وقد بدأت العملية بالمحروقات المعالجة، على غرار البنزين والمازوت، التي تعرف مع كلّ قانون مالية جديد زيادة في الأسعار، هي في الحقيقة نتيجة لرفع الدعم تدريجيا.
لا يعتبر تصريح وزير المالية، عبد الرحمان راوية، من دبي، بخصوص عزم الدّولة رفع الدعم عن أسعار الوقود، نهائيا مطلع العام المقبل، جديدا، بحيث لا يكون ذلك سوى تحصيل حاصل للزيادات السنوية التي تشهدها تسعيرة البنزين والمازوت، والتي تتضمّنها الموازنة السنوية للدّولة، على أساس زيادات لكنّها في الحقيقة ليست سوى رفعا من الدّولة لدعمها على هذه المواد، والتي لو قدّمتها للمواطن بتسعيرتها الحقيقية المستوردة، لكانت مرتفعة جدّا.
وبالرجوع إلى تصريحات الوزير الأوّل، أحمد أويحيى، الذي قدّم خلال ندوة صحفية قبل ثلاثة أسابيع، التسعيرات الحقيقية للوقود بمختلف أنواعه، فيظهر التراجع التدريجي لدعم الدولة منذ سنة 2016، بمناسبة قانون المالية، الذي عرف انتقادات واسعة من قبل نواب البرلمان. وكشف أويحيى، بلغة الأرقام، أنّ الدّولة تشتري المازوت بسعر 81 دج/ لتر وتقوم ببيعه بـ 23دج/لتر، حيث أن دعمه يقدّر بـ58 دينار للتر الواحد، بينما تشتري البنزين الممتاز بـ 88 دج/لتر وتقوم ببيعه بـ 42 دج/لتر، حيث أن دعمها له يساوي 46 دينار على اللتر الواحد.
بالمقابل، تشير الأرقام التي حصلت عليها ALGERIE MONDE INFOS، إلى أنّ الدولة تدعم الحليب بـ14.5 دينار جزائري على اللتر الواحد، حيث تشتريه بـ 39.5 دينار للتر وتبيعه بـ 25 دينار للتر. وتدعم الكيلوغرام الواحد من القمح بـ 140 دينار، حيث تشتريه بـ 210 دج/كلغ وتبيعه بـ 70 دج/كلغ.
.
الواضح أنّ الحكومة، التي يقودها أحمد أويحيى، قد بدأت جديا في مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي التي ظلّت عشوائية، تستفيد منها مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث أعلنت عن تشكيل لجنة مشتركة لمراجعة سياسة الدعم الاجتماعي، وتضمّ اللجنة عديد القطاعات الوزارية: الداخلية، المالية والتجارة وتقع تحت وصاية الوزير الأول، يشارك فيها كأعضاء استشاريين مجموعة خبراء اقتصاديين وجمعية حماية المستهلك.
ولم تلجأ الحكومة إلى مثل هذه الإجراءات، إلّا بعدما « لحق الموس للعظم »، على قول أويحيى، بينما يتخوّف خبراء ومتتبعون من تبعيات هذه الإجراءات على الجبهة الاجتماعية التي تشهد غليانا غير مسبوق، تصوّره يوميا مشاهد النقابات وهي تخرج مختلف الفئات الشغيلة إلى الشارع للمطالبة بحقوق اجتماعية ومهنية. وإلى غاية اليوم، لم يستشعر المواطن أيّ خطر فعلي على قدرته الشرائية رغم تدهورها الفظيع منذ سنوات بصفة تدريجية، لكنّ الواقع يقول إنّ المواطن الجزائري مازال قادرا على العيش في استقرار مادي.
الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي: 75% من الجزائريين سيتخلّون عن استعمال السيارة
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي، في تصريح لـموقع ALGERIE MONDE INFOS، إنّ الظروف المالية للحكومة أخطر من الظروف الاجتماعية، حيث أن السياسات الاجتماعية لا تصمد أمام نفاذ الإمكانيات المالية لأي بلد. يوضّح محدّثنا أنّ أكبر خطأ ارتكبته الحكومات الجزائرية المتعاقبة، هو ربطها للمجتمع بمزايا ظرفية مع منعه من الاستقلالية الاقتصادية بالإنتاج والاستثمار الحرّ، مضيفا أنّ سياسة الريع وشراء السلم الاجتماعي، أفرزت مجتمعا مرهونا بمزايا الحكومة.
بخصوص قرار رفع الدّعم عن البنزين، يقول فرحات آيت علي، إنّ ذلك يعني بيعه بين 80 و90 دينار للتر الواحد، وهذا ما يجعل استهلاكه الشهري بحوالي 20 ألف دينار عند المستهلك العادي بتعبئة أسبوعية قدرها 60 لتر، وهو ما يعني أنّ حوالي 75 % الجزائريين سيتخلّون عن اقتناء السيارة في المستقبل.
أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة بشار مختار علالي: رفع الدعم عن المواد الغذائية لن يكون قبل رئاسيات 2019
ويقول أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة بشار، مختار علالي، إنّ الحكومة شرعت منذ سنوات في مراجعة سياسة الدّعم لكن بطريقة غير مباشرة أو على الأقلّ لم تصرّح بذلك، حيث أنّ الزيادات التي شهدتها أسعار البنزين والمازوت منذ 2016، ليست زيادات وإنما رفع الدعم. وفيما يتعلّق بالدعم الموجّه للمواد الغذائية الأساسية، يقول محدّثنا إنه يستبعد تنفيذه قبل نهاية 2019، لأنه يرتبط بظروف سياسية واجتماعية، وهذه السنة ستكون الأخيرة في عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وبالنسبة لإعلان الحكومة عن تشكيل لجنة وطنية لتصويب الدعم، يعتقد محدّثنا أنها استراتيجية لتسويق مفاهيم مستبعدا أن تنفذ اللجنة من عملها عن طريق إعداد بطاقات خاصة لتأمين التحويلات الاجتماعية، قبل 2019.
الخبير الاقتصادي كمال رزيق: المواطنون مجبرون على الانخراط في مؤسسات الضمان الاجتماعي
ويرى الخبير الاقتصادي، كمال رزيق، أنّ ما قامت به الحكومة من تشكيل للجنة عمل إيجابي كان ينتظر منذ سنوات وقد انتقلت اليوم من الكلام إلى الفعل، لافتا إلى أنّ اللجنة ستعتمد على الفئة المصرّح بها لدى الضمان الاجتماعي مثل « الكناس » والمؤسسات الأخرى، وستكشف هذه التدابير المتهرّبين من التصريح لدى الضمان الاجتماعي للعمال وسوف يجد عامّة المواطنين من ذوي الأعمال الحرّة، أنفسهم، مجبرين على الانخراط في هذه المؤسسات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق